أسامة زرعي: موجة تراجع الأسعار صحية والتضخم الورقة الرابحة في رحلة صعود الذهب
شهدت أسعار الذهب أسوأ أسبوع لها منذ أكثر من ثلاث سنوات، عقب فوز دونالد ترامب في الانتخابات الأمريكية، حيث أوقف الدولار القوى موجة ارتفاع الذهب القياسية.
قال أسامة زرعي، رئيس قسم التحليل بشركة جولد إيرا للاستثمار وتجارة الذهب، إن أسعار الذهب تراجعت بنحو 4.5%، مسجلة بذلك أشد انخفاض أسبوعي منذ ما يقرب من ثلاث سنوات، ومنذ ذروته، والتي سجلت فيها الأوقية نحو 2800 دولار في 31 أكتوبر الماضي، ليخسر المعدن الآن أكثر من 237 دولارًا أو ما يقرب من 9%، مما يجعل هذا هو الانخفاض الأكثر استدامة منذ بداية الشهر”.
وارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 35 % هذا العام، لكنها تراجعت هذا الشهر إلى مستوى 2563 دولارًا للأوقية، بما في ذلك انخفاض بنسبة 3.1 % في اليوم التالي للانتخابات الأمريكية.
تعرضت أسعار الذهب لضغوط هبوط كبير
لقد تعرضت أسعار الذهب لضغوط هبوط كبير خلال الأيام القليلة الماضية، بفعل قوة الدولار، وتغير التوقعات بشأن السياسة النقدية للفيدرالي الأمريكي، كما يواجه الذهب ضغوط جديدة خلال الفترة المقبلة، لاسيما بعد تصريحات رئيس الفيدرالي الأمريكي بالحذر وعدم التعجل، في تغيير السياسة النقدية في الوقت القريب، بفعل قوة سوق العمل، وتراجع التضخم بالقرب من هدف البنك المركزي.
وأوضح أن أسعار الذهب تعرضت لتقلبات قبيل أسبوع الانتخابات الأمريكية، تحسبًا لنهاية حالة عدم اليقين بشأن، وتصحيح أسعار الذهب قد تأخر بعد موجة ارتفاعات قياسية، ونسبة التراجع الصحية في الأسعار بين 5-10٪.
وأضاف، ولم تشهد الزيادة بنسبة 54٪ في الذهب على مدار الأشهر الاثني عشر الماضية تصحيحًا بنسبة 5٪ قبل الانتخابات الأمريكية، حيث أدت النتيجة الساحقة إلى انخفاض كبير بعد الانتخابات.
وأشار، إلى أنه تاريخيًا، بمجرد أن يصبح سعر الذهب مبالغًا فيه لفترة طويلة من الزمن، يميل تصحيح الأسعار وجنى الأرباح إلى أن تكون تراجعات حادة على المدى القصير، وبعد الارتفاع إلى مستوى 2800 دولار في أواخر أكتوبر ، تتمتع العقود الآجلة للذهب بدعم قوي عند 2520-2500 دولار، وهو ما سيكون تصحيحًا بنسبة 10٪.
وأوضح، أن الذهب لايزال في اتجاه صاعد قوي، إذ أن تحرك الأسعار إلى 2500 دولار، وهو أعلى مستوى على الإطلاق قبل 3 أشهر فقط، سيكون أيضًا تراجعًا صحيًا ومستحقًا منذ فترة طويلة بحجم يتوافق مع الارتفاعات القياسية لسعر الذهب.
وأضاف، أن التصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، وبالتحديد منذ أكتوبر 2023، كان أحد المحركات الرئيسية لسعر الذهب، ومع تعهد ترامب خلال حملته الانتخابية بخفض التصعيد الجيوسياسي في الشرق الأوسط وأوكرانيا، تراجعت الأسعار.
أضاف، كما لعبت العملات المشفرة دورًا في تراجع الذهب منذ الانتخابات، لاسيما مع دعم ترامب الصريح للعملات المشفرة مثل البيتكوين، والتي ارتفعت إلى مستوى قياسي 100000 دولار هذا الأسبوع، حيث تحول رأس المال من الذهب إلى البيتكوين منذ الإعلان عن نتيجة الانتخابات.
كما أدى ارتفاع مؤشر الدولار الأمريكي، وعائدات سندات الخزانة الأمريكية في الضغط على الذهب، وسط تفاؤل بأن إدارة ترامب ستؤدي إلى نمو اقتصادي أفضل في الولايات المتحدة، ولكن مع ذلك، قد يأتي ارتفاع التضخم في صالح الذهب.
وجمعت البنوك 23.5 مليار دولار من خلال إصدار سندات ذات درجة استثمارية يوم الثلاثاء الماضي، وهو أكبر إصدار للديون من قبل المؤسسات المالية في يوم واحد منذ بداية عام 2016، حيث تتوقع الأسواق العودة لسيناريو محتمل لرفع أسعار فائدة مر أخرى خلال العام المقبل.
أوضح أن الأسواق تشهد، حالة من القلق، مع رغبة ترامب في السيطرة على بنك الاحتياطي الفيدرالي، ومن ثم فقد يقوض ثقة المستثمرين في أسواق الأسهم والسندات.
وأشار، إلى احتمالية استفادة أسعار الذهب من محاولات الحكومة للسيطرة على أقوى بنك مركزي في العالم، والتي من شأنها أيضًا أن ترسل إشارة سلبية للغاية إلى بقية العالم، ومن ثم سيكون لذلك تأثيرًا سلبيًا على الدولار وسوق الخزانة الأمريكية.
وقال، إن السوابق التاريخية، كاشفة، فقد حدثت آخر حالتين من التراجع الحاد عقب ارتفاعات قياسية في عامي 2009 و2011″.
أضاف، في عام 2009، شهد الذهب خسارة بلغت 15%، قبل أن تدفع عمليات الشراء المتجددة السعر إلى مستويات قياسية جديدة، وفي عام 2011، كان الانخفاض الأولي للذهب حوالي 20%، بينما انتعش الذهب بنسبة 17% ، وعلى مدى السنوات الأربع التالية، خسر الذهب نحو 45% من قيمته.
وبعد فوز ترامب في عام 2016، صحح سعر الذهب بنسبة 12٪ في أول 45 يومًا بعد الانتخابات، قبل أن يستمر في اكتساب 68٪ خلال بقية ولايته (41٪ قبل بدء كوفيد).
وأشار ، إلى وجود العديد من المحفزات لدعم أسعار الذهب خلال الفترة المقبلة، ومع انتهاء موجة التصحيح، لاسيما مع تصريحات الفيدرالي الأمريكي في الاستمرار في تخفيف السياسة النقدية خلال أزمة الديون السيادية الأمريكية.
كان ارتفاع أسعار الذهب على مدار العام الماضي مدفوعًا بالتوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، بجانب الحرب الروسية الأوكرانية، وتوقعات بخفض أسعار الفائدة، وأكثر هذه العوامل لا تزال قائمة، بالإضافة إلى عدم اليقين الاقتصادي العالمي.
وقد يغير التضخم أيضًا حسابات الذهب، فمن الواضح أن الفيدرالي الأمريكي يقع تحت ضغط متزايد لتعديل سياسته إذا استمر التضخم في تجاوز التوقعات، وقد يستفيد الذهب في نهاية المطاف من التضخم المستمر إذا تجاوز زيادات أسعار الفائدة”.
لقد عملت نتيجة الانتخابات على تعزيز الاعتقاد بأن معدلات التضخم سترتفع خلال العام المقبل، وهو أمر سيدفع المستثمرين والبنوك المركزية، وصناديق التحوط والمؤسسات المالية، إلى التحوط منه بالذهب.
للمرة الأولى منذ سبتمبر 2022، أشارت تقارير مؤشر أسعار المستهلك ومؤشر أسعار المنتجين هذا الأسبوع إلى أن التضخم عاد رسميًا إلى الارتفاع، ومع ذلك، من الواضح أن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد استسلم لهدف التضخم البالغ 2٪ لخفض أسعار الفائدة بسبب ارتفاع مدفوعات الفائدة على الديون الحكومية الخارجة عن السيطرة.
وتوقع زرعي، انفجار الذهب بمجرد انتهاء هذا التصحيح الضروري والصحي، وذلك لعدم وجود طريقة لتجنب انخفاض قيمة الدولار بشكل ملموس في العام المقبل للتعامل مع العجز والديون الفيدرالية الخارجة عن السيطرة، بينما يكون بنك الاحتياطي الفيدرالي في وضع خاسر، إذا رفع البنك المركزي أسعار الفائدة، فإننا نتجه نحو الركود، وإذا استمروا في خفض أسعار الفائدة، فإن التضخم سيرتفع أكثر.
خلال فترة ولاية الرئيس ترامب السابقة التي استمرت 4 سنوات، كان هناك نمو هائل في الدين الأمريكي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى التخفيضات الضريبية والوباء، حيث ارتفع الدين الفيدرالي الأمريكي بمقدار 6.9 تريليون دولار منذ ديسمبر 2020 ومن المتوقع أن يرتفع بمقدار 14 تريليون دولار أخرى من عام 2024 إلى عام 2028.
وعلى عكس فوزه الرئاسي الأول في عام 2016، فإن دونالد ترامب قادم إلى اقتصاد بطيء ومثقل بالديون، في حين أن بنك الاحتياطي الفيدرالي دخل في دورة خفض أسعار الفائدة، مع خفض 50 نقطة أساس في سبتمبر وخفض آخر بمقدار 25 نقطة أساس في وقت سابق من هذا الشهر.