استضافت مؤخراً المجلة الثقافية والسياسية الإيطالية، فورميكيه ندوة عبر الإنترنت جمعت بين خبراء الصحة العامة ومتخصصي مكافحة التبغ وصانعي السياسات والعلماء وقادة الفكر لمناقشة أهمية تبني الأسباب المستندة إلى العلم من قبل الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ(FCTC) ، وذلك من أجل احترام الإنسانية، حيث أكدوا على أن الوصول إلى البيانات الصحيحة بشأن الحد من مخاطر التبغ هو حق من حقوق الإنسان.
وأكدت الندوة على أن الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ (FCTC) تحتاج إلى إعادة تعريف عملية تنظيم هذا القطاع لدمج الوعي الجديد بالآثار البيئية والصحية وتمهيد الطريق لمبدأ الحد من مخاطر التبغ، وذلك نظرا لمرور عشرين عاما على إطلاق الاتفاقية وصدور العديد من الدراسات العلمية المثبتة منذ ذلك الحين.
من جهته استنكر البروفيسور ديفيد سوينور، رئيس المجلس الاستشاري لمركز قانون وسياسة وأخلاقيات الصحة بجامعة أوتاوا، نهج الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ (FCTC)، ووصف الاتفاقية بأنها “وصفة” تبنتها منظمة الصحة العالمية لتعريف منتجات التبغ متجاهلة الحقائق العلمية الحديثة ودور البحث والتطوير في تقدم العملية. موضحاً أن الأشخاص الذين يعملون على الاتفاقية ليس لديهم علم بالقضايا الحقيقية فيما يتعلق بالمخاطر المرتبطة بالتبغ.
وشدد سوينور على أنه من الصعب تبرير معارضة منظمة الصحة العالمية لمبدأ الحد من مخاطر التبغ المرتبطة بالتدخين في ظل تقبل المنظمة لهذا المفهوم في كل المجالات الأخرى من مجالات صحة الإنسان.
ومن جانبه قال ريكاردو بولوسا أستاذ الطب الباطني في جامعة كاتانيا ومؤسس مركز CoEHAR لأبحاث الحد من مخاطر التدخين: هناك الكثير من الدراسات التي تثبت أن المنتجات البديلة للتدخين أقل خطورة بنسبة تتراوح ما بين 80-90٪ مقارنة بمنتجات التبغ القابلة للاحتراق، مما يجعل منها حلاً واضحًا للحد من المخاطر المرتبطة بالتدخين، ومع ذلك يبدو أن العالم معصوب العينين تمامًا.
استعرض بولوسا ما تفعله بعض البلدان فيما يتعلق بتبني سياسات الحد من المخاطر وكيف تسجل هذه الممارسات نتائج ناجحة في تقليل عدد المدخنين في بلدانهم بما في ذلك اليابان والمملكة المتحدة والنرويج وأيسلندا، حيث تصنف منتجات النيكوتين الخالية من الدخان على أنها جزء من استراتيجيات الحد من المخاطر. وذكر بولوسا أيضًا أن سياسات مكافحة التبغ اليوم تحتاج إلى الابتكار وتحتاج إلى التفكير بأسلوب القرن الحادي والعشرين مع الأخذ في الاعتبار تكامل مبدأ سياسات الحد من المخاطر وتعزيز البدائل غير القابلة للاحتراق للمدخنين البالغين.
من جانبها، انتقدت ماريا أليخاندرا ميدينا، منسقة مؤسسة العمل التكنولوجي الاجتماعي في كولومبيا، عدم رغبة الاتفاقية الإطارية لمنظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ (FCTC) في التمييز بين النيكوتين والتبغ، مما أدى إلى نشر معلومات مضللة حول تعريف المخاطر لمختلف المنتجات البديلة. وأضافت “أن سياسات التبغ الحالية تسبب المزيد من المخاطر حيث لا توجد إمكانية للوصول لعالم خالٍ من التبغ أو النيكوتين، مما يدفع القيادة إلى تغيير النهج ليشمل منتجات بديلة مبتكرة”.
من جانبها، ناقشت الدكتورة رانيا ممدوح، أستاذ الطب النفسي بكلية الطب جامعة القاهرة، مفهوم واستراتيجيات مبادئ الحد من المخاطر في شمال أفريقيا، وسلطت الضوء على العلاقة بين الحد من المخاطر والطب النفسي. وقالت إن 40 مليون مصري استخدموا النيكوتين مرة واحدة على الأقل طوال حياتهم، وذلك وفقا لمسح وطني أجري عام 2019.
وأوضحت ممدوح أن الطب النفسي تبنى برامج الحد من المخاطر منذ 35 عاما لحلولها الواقعية لمكافحة الإدمان بما في ذلك اضطرابات تعاطي المواد الأفيونية واضطرابات تعاطي المخدرات، مشيرة إلى إن العديد من المدخنين لا يستطيعون الإقلاع عن التدخين على الرغم من وعيهم بالمخاطر المرتبطة به وذلك بسبب التأثير الإدماني للنيكوتين، مؤكدة على أن كل الأشخاص لا يتغيرون بنفس الدرجة أو في نفس الوقت، لذلك مع تطبيق نهج الحد من المخاطر، لا يزال بإمكان المدخنين الحصول على نفس مستويات النيكوتين أو أقل ولكن بنسبة خطر أقل على صحتهم.
وأضافت “ممدوح”: هناك دراسات بيولوجية عصبية صادرة عن جامعة هارفارد عن نهج ما قبل وبعد تبني سياسات الحد من المخاطر للأشخاص المعتمدين على النيكوتين والتي أظهرت أن العديد من الأشخاص الذين تحولوا إلى بدائل التبغ غير القابلة للاحتراق نجحوا في الوصول إلى استهلاك صفر نيكوتين خلال فترة زمنية تتراوح ما بين 12 إلى 18 شهرًا.
ومن وجهة نظر علم الأعصاب، ذكرت ممدوح أن وسائل الحد من المخاطر جاءت لحل مشكلتين، الأولى هي إدمان النيكوتين والثانية هي المشاكل الصحية العامة المرتبطة بالتدخين. وذكرت أن عيادة النيكوتين في جامعتها تستقبل يومياً نحو 40 مريضاً يتم تحويلهم من عيادتي القلب والصدر حيث يُطلب في البداية من هؤلاء المرضى استخدام علكة النيكوتين واللصقات والبخاخات. وإذا لم يشعر المرضى بالرضا وكانوا يحتاجون إلى المزيد من النيكوتين، فننصحهم بتجربة منتجات النيكوتين غير القابلة للاحتراق إلى جانب 30 تمرينًا للعلاج السلوكي المعرفي.
وشددت الدكتورة رانيا ممدوح على أن المنتجات البديلة غير القابلة للاحتراق أقل في المخاطر ولكنها لا تخلو من المخاطر، معتبرة أن هناك حاجة لدراسات طويلة المدى لتحديد مدى تأثيرها على صحة الإنسان تماما مثل المنتجات القابلة للاحتراق التي بحثت المنظمات الصحية في تأثيرها على الإنسان والصحة العامة لمئات السنين.